موقع isci//
في صفقات تبادل الأسرى السابقة بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، كان مجرد إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين يعتبر إنجازاً للحركة.
وبحسب وكالة”سما”الفلسطينية، فهذه المرة تصر حماس على تحرير جميع الأسرى، أو على الأقل الأسرى الذين يقضون أحكام سجن بالمؤبدات العالية ضمن استراتيجيتها لتحقيق الانتصار الاستراتيجي، كما يقول الكاتب في صحيفة Haaretz الإسرائيلية، تسفي باريل.
ما الشروط التي تصر عليها حماس لعقد صفقة مع الاحتلال؟
يقول باريل إن المطلب الأساسي الذي طرحته حماس على مدار المفاوضات بشأن تبادل الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين كان يتلخص في إعلان “إسرائيل” وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاب قواتها من قطاع غزة والتجهيز لإعادة الإعمار.
ولم تكتفِ حماس بالإصرار على أن يضمن اللاعبون الإقليميون المعنيون -مصر، والمملكة العربية السعودية، وقطر، والأردن، والإمارات العربية المتحدة- تلبية هذه المطالب، بل تفعل الولايات المتحدة ذلك علناً أيضاً.
وبحسب مصادر إسرائيلية ووسطاء، أبدت حماس مرونة لتقسيم هذا المطلب إلى مرحلتين. تستلزم المرحلة الأولى وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع، تنسحب خلالها قوات الاحتلال الإسرائيلي من طريقي الرشيد وصلاح الدين (وليس كل غزة.
كما طالبت حماس في الأصل) حتى يتمكن سكان شمال غزة من العودة إلى منازلهم بأريحية، والثاني يستلزم وقفاً دائماً لإطلاق النار. ومن شأن ذلك إتاحة استئناف المفاوضات، يوم الإثنين 18 مارس/آذار، في قطر، لكن حركة حماس لم تعلن شيئاً بشكل رسمي حيال ذلك.
حماس والتفاوض على المفاوضات
وفي الوقت نفسه، يقول الكاتب الإسرائيلي باريل، ليس من الواضح ما هو مصير الطلب الإسرائيلي لحماس بتقديم قائمة مُفصَّلة بأسماء الأسرى الأحياء والأموات.
وقبل نحو أسبوعين، منع نتنياهو الوفد الإسرائيلي من المغادرة إلى مصر لحين استلام القائمة. وقبل أسبوع اقترح مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز وقفاً قصيراً لإطلاق النار مقابل القائمة، وهو العرض الذي رفضته حماس، التي قالت إنَّ “إسرائيل” ستضطر إلى “دفع ثمن باهظ للغاية” مقابل هذه المعلومات.
إلا أنَّ هذا الطلب، مثل شروط حماس الأولية الأخرى، هو جزء من تكتيكها المعروف المتمثل في “التفاوض على المفاوضات”، الذي تستخدمه وسيلةً لإبقاء المحادثات حية حول القضايا الفرعية بينما تهدد نقاط الخلاف الرئيسية بانهيارها، كما يقول الكاتب الإسرائيلي.
وتجتمع هذه القضايا في ثلاث “حزم” متشابكة لا يمكن فصلها من وجهة نظر حماس. الأولى هي قائمة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين تطالب بإطلاق سراحهم. وتقول مصادر إسرائيلية إنَّ الخلاف لا يدور حول عدد الأسرى بل حول “نوعيتهم”.
وقد وافقت إسرائيل” من حيث المبدأ على مطلب حماس بأنه مقابل إطلاق سراح النساء والأطفال والمسنين والمرضى الإسرائيليين، سيُطلَق سراح 50 أسيراً فلسطينياً مقابل كل جندية أسيرة لدى حماس.
لكن حماس تطالب أيضاً بأن يكون 30 من هؤلاء السجناء من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد.
وفي الصفقات الماضية، كان الهدف الرئيسي لحماس هو تحرير السجناء وتحقيق إنجاز. لكن هذه المرة، يشكل إطلاق سراح الأسرى جزءاً من صورة النصر الاستراتيجي التي تسعى الحركة إلى رسمها.
الإصرار على مروان البرغوثي
علاوة على ذلك، يقول الكاتب الإسرائيلي إن حماس تهدف إلى إرساء الأسس التي تُمكِّنها من السيطرة على البنية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في المستقبل.
ولذلك ستصر على المطالبة بالإفراج عن مروان البرغوثي، على سبيل المثال، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد ويتمتع بدعم شعبي واسع، والذي قد يخلف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وهذا ليس مطلباً جديداً من جانب حماس، فقد أُثير في صفقات تبادل أسرى سابقة، لكن” إسرائيل” رفضته دون التسبب في انهيار المفاوضات.
لكن هذه المرة، بينما تقاتل حماس من أجل الصمود السياسي والعسكري، في حين تسعى الولايات المتحدة والقوى العربية إلى إنشاء سلطة فلسطينية جديدة تحكم غزة، فمن الأهمية بمكان أن يكون البرغوثي من بين السجناء الذين سيُطلَق سراحهم.
ويقول باريل إن البرغوثي ليس “أمل” حماس فحسب، بل هو الزعيم الذي يعتبره معظم الجمهور الفلسطيني الأفضل لرئاسة سلطة فلسطينية، أو ربما الشخص الوحيد القادر على ذلك، ويتمتع بالقدر الكافي من الشرعية الدولية لتمكين إقامة دولة فلسطينية.
حماس ستحقق الإنجاز الاستراتيجي
وإذا نجحت حماس في إطلاق سراح البرغوثي، فإنَّ ذلك سيشكل إنجازاً استراتيجياً يصعب المبالغة في أهميته كما يقول باريل. وللسبب نفسه، ستواصل “إسرائيل” معارضة إطلاق سراحه.
والسؤال الآن هو إلى أي مدى قد تكون حماس مستعدة للذهاب لتحقيق هذا الهدف، وما إذا كان إطلاق سراح البرغوثي سوف يؤدي إلى نجاح صفقة الرهائن أم فشلها.
والجواب على ذلك يكمن جزئياً في المكافأة التي ستحصل عليها حماس في الجزء الثاني من الصفقة. إذ بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى، فهي تطالب في نهاية المطاف بالتزام مدعوم بضمانات بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة وإعادة الإعمار.
ووفقاً للتقارير التي نشرتها وسائل إعلام عربية نهاية هذا الأسبوع، فإنَّ حماس تطالب بالفعل، في المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي الجزئي -أي المرحلة الثانية من تبادل الأسرى، الذي لم يُتفَق على نطاقه بعد- بإعادة إعمار شمال القطاع.
وسيشمل ذلك جلب نحو 60 ألف منزل متنقل وحاوية وآلاف الخيام الإضافية للسكان النازحين العائدين إلى شمال غزة.
وسيزداد نطاق المساعدات الإنسانية زيادة كبيرة أيضاً، ليصل إلى أكثر من 500 شاحنة يومياً، إلى جانب الإمدادات الكافية من الأدوية والمعدات الطبية، وفتح جميع المعابر الحدودية أمام البضائع، وخطة مدتها 3 سنوات لإعادة إعمار القطاع بشكل كامل، كل ذلك برعاية قطر ومصر.
ومع ذلك، لا تستطيع” إسرائيل” ولا حماس الإجابة على الأسئلة المتعلقة بمن سيدير عملية إعادة الإعمار، ليس فقط في مرحلتها النهائية، بل أيضاً في المرحلة التي ستُنفَّذ في الجزء الأول من اتفاق وقف إطلاق النار.