كتبه// إيمان عبد الرحمن الدشتي
كلما حلَّ موسمُ الحج لاح للمسلمين عطر الديار المقدسة في مكَّة المكرمة والمدينة المنورة، وفاح طيباً محمدياً محفوفاً بأنفاس الوحي وشذا الرسالة الإسلامية السمحاء، مذكِّراً بأحداث التبليغ الخالدة، وبكلِّ من رفع لواء الإسلام وأعزَّه، وتجلت عظمة بيت الله الحرام، وشَخَصَ البيتُ شاهداً على معجزة مولد بطل الإسلام عليٍّ (عليه السلام) التي انفرد بها دون العالمين، لا يقبل إنكارها مهما حاولت أن تعصف به رياح التمويه!
قال تعالى (إنَّ أولَ بيتٍ وضِعَ للنّاسِ لَلذي ببكَّةَ مُباركاً وهدىً للعالمين) فقد شرَّف الله الكعبة حينما نسبها إليه، وجعلها بيته الآمن الذي يلوذ به المسلمون من كل بقاع الأرض ويُقرّون له بالوحدانية فينالون منه البركة والهدى، ولأن التوحيد مقترن بالنبوة والإمامة؛ كانت زيارة المسجد النبوي وقبر الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المستحبات المؤكدة للحاج والمعتمر، وكذلك زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) رغم اختلاف الروايات في تحديد مدفنها الشريف، إضافةً لزيارةِ أئمةِ البقيعِ (عليهم السلام)
تعمل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، على رفع أستار الكعبة المشرفة في كل عام استعداداً لموسم الحج، بعد منتصف شهر ذي القعدة مع نفير الحجيج من كل فج عميق إلى الديار المقدسة، وعادة رفع الأستار اعتادها المسلمون مُنذ صدر الإسلام كإعلان لبدء موسم الحج وما زال العمل بها جارٍ، فيقوم المسؤولون على لفِّ أطراف الأستار إلى ارتفاع ثلاثة أمتار، ويضعون فوقها إزاراً أبيضاً بعرض مترين يُلفُّ حول الكعبة، اللطيف في هذه الممارسة أنها تثير الإستفهام عند ذوي النهى، ويعلو الاستعلام عن زعيم الإمامة وعنوانها، المتمثل بأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) فمعجزةُ مولدهِ في حرمِ الإله ما زال أثرُها خالداً على جدارها المستجار، يأبى البيت افتخاراً أن يمحيه، وإنَّ رفعَ الأستارِ يكشف عن غير قصد ذلك الأثر الذي لطالما حاول القائمون على الحرم طمسه وتغييبه عن أعين الطائفين بالبيت الحرام، ولكن يستحيل لهم ذلك!
تحوم في الخاطر همسات للحجيج، أنَّ لكل زمانٍ صاحب، وأنَّ صاحبَ زمانكم سيكون بينكم عند كل شعيرة، سيراكم ويلتقيكم ويعرفكم وأنتم لا تعرفونه، فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول “يفقدُ الناسُ إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه” فحدثوه بخلجات صدوركم عما بدا لكم، قلدوه الزيارة والدعاء، إسألوه عن أحواله، إدعوا له بالفرج فإنَّ في ذلك فرجكم.
سيبقى أثر ولادتك يا علي على جدار الكعبة، مستنطقاً للعقول، وقارعاً للأفهام، صادحاً بمنزلتكم التي رفع الله شأنها، كي يذعن المسلمون لأمره، ويُقرّوا بإمامتكم، ويشهدوا أنَّك وأولادَك المعصومين أولياءُ الله وحججه، وأنَّكم عِمادُ الدين الذي لا يستقيم إلّا به.