كتبه// د.محمد العبادي
لاشك أن أمريكا تقرأ واقع المنطقة وشعوبها بشكل جيد ،وأيضاً لاشك أنها تعرف هوية كثير من السياسيين وتعمل على توجيه بوصلتهم نحو مصالحها .
نعترف ان أمريكا صاحبة اكثر نشاط دبلوماسي وعسكري وأمني وربما اقوى نشاط إقتصادي ،لكن ذلك لا يعني أبداً أنها تملك اليد العليا في كل شيء ،وأنها قدراً مقدوراً.
إن تعيين واشنطن للسيدة آلينا رومانوفسكي(٦٩)عاماً سفيرة لأمريكا في العراق كان دقيقاً جداً ، فهي تجيد ( الفرنسية والعربية والعبرية)، وقد درست في جامعة تل أبيب وهي تؤمن بالتطبيع مع إسرائيل،لكنها لاتعلن عن ذلك،لأنها تعرف حساسية هذا الموضوع .
السفيرة الأمريكية تمتلك خبرة كافية ؛فقد قضت أربعين عاماً في مجالات العمل العام ،وشطر كبير (١٠سنوات) من حياتها المهنية قد تركز في الشرق الأدنى وجنوب آسيا ، وتمتلك كاريزما شخصية،وقد عملت لوكالة المخابرات الأمريكية ( السي آي أيه)،ونائب لمساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا .
انضمت إلى الخارجية الأمريكية في سنة ٢٠٠٣م ،وعملت رومانوسكي من سنة ٢٠١١ حتى ٢٠١٥م كنائب مساعد في الوكالة الدولية للتنمية ،وفي سنة ٢٠١٥م أصبحت منسقة المساعدة الأمريكية لأوروبا وأوراسيا بمكتب وزارة الخارجية ،وفي عام ٢٠١٧م أصبحت رومانوفسكي نائبة المنسق الرئيسي لمكافحة الإرهاب ،وقبل انتقالها إلى العراق كانت تشغل منصب سفيرة في الكويت .
ونظراً لجهودها وخدماتها وأدائها المتميز ؛فقد نالت العديد من الجوائز التقديرية من وكالة المخابرات المركزية، ومن وزارتي الخارجية والدفاع .
إذن سيرة حياة السفيرة الأمريكية واختيارها جاء بناءً على إرثها وخبرتها في معرفة شؤون المنطقة وتحدياتها المختلفة .
لقد ألقت الشروط الأمنية بظلها على زيارات المسؤولين الأمريكيين حتى نهاية العقد الثاني من هذا القرن، وكانت زياراتهم محاطة بالسرية والكتمان ،لكن أمريكا بدأت تظهر إلى العلن في العراق من خلال سفيرتها رومانوفسكي التي تجولت في عدد من المدن العراقية بما فيها العاصمة بغداد ،وبحسب ما نشر من لقاءات ( فقد بلغت زيارات الحكومة والوزراء نحو ( 45) لقاءً خلال أربعة أشهر).
هذا ناهيك عن لقائاتها بما يسمى منظمات المجتمع المدني!!! ،وأيضاً لقائاتها بالمسؤولين والأوساط الشعبية في كردستان.
قد يقال : إن وظيفة اي سفير هي الاتصال بالمسؤولين في ذلك البلد وإقامة علاقات معهم ؟
لكن ذلك يبدو بعيداً عن وظيفة السفير فيما إذا اخل وتحرك بمفرده من دون علم وزارة الخارجية واستحصال موافقتها بكتاب رسمي؟ ولا أدري ألا يسترعي كل ذلك النشاط المحموم للسفيرة وزارة خارجيتنا؟!وهل أحاطت السفيرة الأمريكية علماً لوزارة خارجية العراق بحوالي أكثر من سبعين كتاباً عن لقائاتها وزياراتها الميدانية؟!
الله أعلم ماهي الوثائق السرية التي ترفعها السفيرة إلى واشنطن من تقييم ونتائج لتلك الزيارات وماهي النصوص والفصوص المختارة التي ترفعها لواشنطن وترفقها بتحليلها عن مسؤولينا؟! ،وماهي التوصيات والتوجيهات التي تتلقاها قبل وبعد كل لقاء تعقده معهم؟!.
إن أمريكا تبحث عن مصالحها فقط ،ولايهمها استقرار العراق واستقلاله وتنميته ،ولو كانت تريد استقلال العراق واستقراره لما عملت على تقوية البعد القومي عند الجماعات الكردية المسلحة في أكثر من بلد، ولما أوجدت داعش ،أو هددت جيران العراق ،لان أمن بلدان المنطقة بعضه من بعض .
ادعو السادة النواب إلى قراءة قواعد الأتيكيت والبروتوكولات في وظائف السفراء وطبيعة عملهم ومقارنة ذلك مع تحركات السفيرة الأمريكية في الأوساط الرسمية والشعبية،وأيضاً أدعوهم إلى إعادة قراءة ما يسمى( اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق وامريكا) ومدى موافقة تحركات السفيرة ولقاءاتها مع تلك الاتفاقية؟ ومن ثم يصار إلى استضافة السيد وزير الخارجية لبيان جلية الأمر.
أتحدث كمواطن واقول ان تحركات السفيرة تثير حساسيتنا،سيما وأن أمريكا لها سوابق سلبية في قتل الشعب العراقي من خلال حروبها التجارية التي اصطنعتها،وكذلك من خلال حصارها وتجويعها لأبناء بلدنا،بل وامتهان كرامة الشعب وإذلاله.
إنها تثير حساسيتنا بتحركاتها،سيما وان اعرافنا الدينية والثقافية والإجتماعية تتقاطع مع دولة الولايات المتحدة المثلية،والتي تحاول فرض ثقافتها الشاذة على ثقافتنا الطبيعية الأصيلة.