بقلم// حيدر الرماحي
يستغرب البعض بل الكثير من اختزال العالم بقضية الامام بالحسين(ع) وقد يُفهم ان هذا الخطاب خطابا عاطفيا متوقع ان يصدر ممن يعتقد بهذه القضية وليس هناك شأن للمخالفين او من لم يعتقد بها..
لقد مرت القضية الحسينية منذ واقعة الطف بمنعطفات سياسية مهمة على مستوى المنطقة وتحديدا المناطق المحورية آنذاك، وهي العراق والشام والجزيرة العربية، وكانت على مستوى الطلب بالثأر وتحشيد المحبين انتقاما لمقتل(استشهاد) الامام الحسين(ع) ورغم تحقق هذا الامر على يد المختار الثقفي(رض) ومن سبقه ومهد له، الا ان القضية الحسينية بدأت تظهر اكبر من الطلب بالثأر او الاقتصاص من الجناة، انما اخذت منحىً اخر على مستوى المبادئ والثوابت التي خرج من اجلها الامام (ع) تحديدا بما يتعلق بحكم المسلمين والاصلاح السياسي والحرية والوقوف بوجه الظلم والظالمين، اذ أخذت هذه المفاهيم والمبادئ تتعملق لتصل الى مرحلة ان تقض مضاجع الحكام عبر التاريخ مما دفع شيعة ال البيت الى المعانات، على مر العصور ، والتعرض الى الاضطهاد والتصفية والاقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي..
اذ يستطيع كل متتبع للتاريخ ان يكتشف كيف وقف حكام بني امية وبني العباس بوجه الشعائر الحسينية وكيف بطشو بالشيعة، وهكذا من تبعهم الى وقتنا المعاصر، اذ كان الشيعة يمارسون طقوسهم وشعاءرهم خلسة في السراديب او بخفية من السلاطين الذين يبطشون بهم، حتى وصلت القضية الى انتفاضة صفر عام 1977م اذ وقف شيعة العراق في تحد واضح وصريح للنظام البعثي المجرم بعد ان بادر ذلك النظام الى منع الشعائر الحسينية، على الرغم من مرافقة هذا التحدي لحالة القمع الذي مورس من قبل ازلام النظام الصدامي المجرم.
فكيف نفسِّر عالمية زيارة الاربعين في ضوء الدبلوماسية العامة؟
بعد كل الحوادث والاحداث التاريخية العصيبة على الشيعة فان هناك صرخة للضمير بعد الانفتاح الشيعي على العالم فالحقيقة الواضحة تشير الى حالة التنامي السريع والعجيب لزيارة الاربعين منذ عام 2003م واصبحت خلال هذه المدة الزمنية القياسية في حالة تنامي سريع وملفت اذ حققت انتقالة سريعة من حيث حجم المشاركة فمن 3 ملايين زائر في عام 2003م الى اكثر من 22 مليون زائر، ومن مشاركة ثلاثة او اربعة دول الى نحو ما يقارب ال50 دولة وربما يزيد على ذلك او يكاد.
ومن مشاركة دين وطائفة واحدة الى مشاركة واسعة من اديان وطوائف عديدة تمثلت (على سبيل المثال لا الحصر) با بالسنة والمسيح والإيزيدية والصابئة المندائية، وغيرهم من ابرز الشخصيات الدينية من مختلف الاديان والمذاهب.
وبناءا ما تقدم فان حجم التنامي في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العراق والمنطقة فان الاوضاع اذا ما تحسنت على مستوى الداخل العراقي من حيث الاستقرار الامني والسياسي وتوفير البنى التحتية لاستقبال واستقطاب ارقام قد تتضاعف بشكل كبير وعجيب في المستقبل القريب ربما لا يمكن تصوره، الامر الذي سينعكس على محورية العراق في المنطقة والعالم فضلا عن تنامي مفاهيم الثورة الحسينية لتشكل تفسيرات جديدة للدبلوماسية العامة وخارطة طريق لم تكن مألوفة او معهودة سابقا وضمن تجليات قد تغير مسارات ومشاريع حيوية كما حدث في مسالة تشكيل الحشـ.ـد الشعـ.ـبي الذي كان منطلقا من منطلقات زيارة الاربعين.
ان حجم هذا التنامي الكبير من حيث حجم المشاركة لا يقارن مع ما نشهده في موسم الحج مثلا، فلا مقارنة بين 3 ملايين شخص مع استنفار وتسخير الدولة لامكانتها بكل طاقتها، قبالة تصاعد المشاركة من 3 ملايين زائر الى 22 مليون زائر خلال هذه العشرين عاما في الحج الحسيني، واذا ما تغافلنا عن رسالة الحج التي تعبر عن مقدرة المسلمين ووحدتهم وعقيدتهم ونقطة التقائهم بهذا التجمهر السنوي وبهذا العدد المحدود امام الحج الحسيني فان رسالة زيارة الاربعين تنقل صورة عظيمة عن قدرة الاسلام والتشيع امام العالم وقدرة هذا المكون على تنظيم نفسه شعبيا وتلقائيا واستقطاب واحتواء التوجهات الاخرى وحتى المخالفة منها، وهذا ما يتضح جليا امكانية القضية الحسينية بشكل عام وزيارة الاربعين بشكل خاص على ترسيخ مفاهيم جديدة وواسعة ضمن،اطار ما يصطلح عليه بالدبلوماسية العامة.
ان زياة الاربعين وارتباطها بالقضية الحسينية لم تكن حدثا متسما بالجمود انما تتصف بالديناميكية والحيوية فهي على الرغم من سلامتها من المواقف والشعارات السياسية الضيقة فانها في الوقت نفسه ترسم مواقف الامة دينيا وسياسيا واجتماعيا بشكل عفوي وفقا لمبادئها، فنجد مجمل قضايا الامة حاضرة بشكل صريح وعفوي منذ بدايتها (المسيرة الاربعينية) تعبيرا عن توجه الامة الاسلامية وحسب اولوياتها، فعلى سبيل المثال واجهت زيارة الاربعين مشاريع الطائفية في مرحلة ما بعد 2003 ثم انتقلت الى تحقيق اللحمة الوطنية حتى وصلت الى مواجهة المشاريع الغربية الساعية الى تفتيت الامة ثقافيا وتجدر الاشارة الى ما اشيع مؤخرا حول المثلية والجندر والتجاوز على القران اذ وقفت الزيارة الاربعينية حائط صد امام هذه الايدلوجيات والسايكلوجيات الموجهة للامة ومثلت المواجهة الحقيقية من خلال التمسك بشكل ملفت بالثوابت والعقائد والتقاليد الدينية والاجتماعية وقد سلط الاعلام هذه الصور المتعددة بشكل واضح، واضافة الى ذلك فقد عززت مسيرة الاربعين مواقفها بمواقف أعم واشمل ومنها تبني أحقية القضية الفلسطينية والاقصاء السياسي في البحرين والكبت الطائفي في السعودية والمشاكل الاقتصادية في ايران وغير ذلك من القضايا مما تحاول الانظمة عدم تسليط الضوء عليها فان هذا التجمع في الاربعين هو وسيلة واقعية وحقيقية ومباشرة لتسليط الضوء على مشاكل الامة وبالتالي الدبلوماسية العامة وحر حبائلها نحو القضايا الحقة.
لذلك على العراق (مسرح احداث الزيارة الاربعينية) حكومة وشعبا ومؤسسات رسمية و دينية وبشكل مباشر العمل على تحقيق مكاسب الاربعين وتنمية هذه الظاهرة من خلال توفير الامكانات الواجب توافرها ورسم دبلوماسيتها لما لذلك من ابعاد ضرورية وهامة على المستوى السياسي والديني والاقتصادي على العراق والامة الاسلامية ومذهب اهل البيت(ع).
كما تتحمل المؤسسة الدينية مسؤولية تحديث الخطاب بشكل ينسجم وهذه الثقافات واللغات والتوجهات المتعددة لان عصر الحسين (ع) شامل جامع لكل الاثنيات والتوجهات.