بقلم/ ماجد الشولي..
يشكل انبثاق القيادة الكاريزمية في العراق، واحداً من أهم التحديات التي تواجه الطامحين لها والمتطلعين لبروزها على حد سواء، حتى بدا وكأن العراق عصي عن الانقياد أو بيئة طاردة للقيادة، لأسباب عدة يطول المقام بشرحها.
ولعل حكم الإمام علي (عليه السلام) لهذا البلد، قد ساهم مساهمة كبيرة بتعقيد المشهد القيادي فيه. فالمجتمع العراقي الذي تذوق عدل الإمام علي (ع) وحكمته، وسجاياه الملكوتية، بات من الصعب عليه ان يستمرئ قيادة أخرى ما لم تكن فيها خصال من الامام علي (ع) .
ولربما هذا ما يفسر انعدام الانسجام على طول الخط بين الحاكم والمجتمع العراقي. وعلى العموم فان هذا ليس هو الامر الوحيد الذي يعرقل بروز القيادة الكاريزمية عندنا. فهنالك جملة من الأسباب الأخرى، يقف في مقدمتها الهالة الكبيرة التي تتمتع بها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف. والتي من شأنها أن تختطف أضواء أية قيادة أخرى وتمتص زخمها. وهذا لا يعني ان المرجعية الدينية تمنع أو تعارض بروز القيادة الكارزمية. بل إن طبيعة المجتمع العراقي والشيعي على وجه الخصوص وبدرجة كبيرة يجد نفسه مكتفيا بقيادة المرجعية الدينية، مستغنياً بها عن غيرها من القيادات.
الأمر الآخر هو تعدد الزعامات الحزبية والعرقية والعشائرية في هذا البلد، فهي بشكل أو آخر تقف حائلا دون انبثاق قيادة مركزية تكون السياسة (بالمعنى الكلاسيكي) جزءاً من مهامها لا كلها.
خاصة وان المنجزات الوطنية الكبرى قد تقاسمتها الزعامات السياسية والقوى الوطنية، ولم يعد بالإمكان تجيير منجز وطني واحد لجهة محددة .
فضلا عن التنافس العميق بين القيادات والزعامات السياسية لبلوغ القمة.
ناهيك عن ظاهرة زعامة السلطة التي بدأت تلقى رواجاً في المجتمع العراقي، اذ بمجرد أن يصل الشخص الى رئاسة الوزراء سرعان ما يتحول الى زعيم وطني سواءً أكان يمتلك مقومات الزعامة أم لا، فنحن نتحدث هنا عن فحوى الظاهرة لا تطبيقاتها.
كل تلك التحديات والمعوقات كانت ومازالت تشكل العائق الأكبر في طريق بروز القيادة المركزية (الكاريزمية) في العراق. لكن مع كل هذه الموانع وكل هذه المصاعب، انبثقت قيادة ورمزية وشخصية الحاج الشهيد ابو مهدي المهندس (رضوان الله عليه) لتشق عباب هذا الركام الهائل من التعقيدات التي أتينا على ذكر النزر اليسير منها وتثبت جدارتها بالقيادة الكاريزمية.
ليبرز السؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا، لماذا تمتع المهندس بهذه الرمزية الكبيرة؟
أنا أعرف ان الاجابة على هذا السؤال بحاجة الى أطروحة في الدراسات العليا على الأقل، إلا انه لا ينبغي ان يمنعنا من تقديم اجابة مختصرة تفتح نافذة عريضة حول ما عرضناه من تساؤلات.
وبتصوري أن السبب الأول الذي منح الشهيد المهندس هذه المكانة هو ملاكاته الذاتية، وأهمها سعة الصدر وهي (آلة الرياسة) واللين ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)) 159 آل عمران.
الأمر الآخر هو سيرة ومنهجية المهندس الجهادية الطويلة الأمد، فهو قد نهل من فكر الشهيد محمد باقر الصدر (رض) وانضم الى واحد من أهم الاحزاب الاسلامية في العراق وأبرزها ثقافة اضافة الى انخراطه بالعمل الجهادي المباشر لمقارعة النظام العفلقي البائد وانصهاره بمدرسة الإمام الخميني (رض).
هذه التراكمات من الخبرة والتجارب الحثيثة عمقت لدى الشهيد المهندس ملاكات القيادة التي وجدت طريقها للبروز في أحلك الظروف التي مر بها العراق إبان الغزو الداعشي الارهابي لأراضيه. وكأن يد الغيب التي رعت شخصيته وراكمت لديه كل تلك الخبرات كانت قد هيأته الى هذه اللحظة.
وبالفعل كان من الصعب جداً في ظل تلك الظروف الحرجة ايجاد قيادة جامعة لقوى المقاومة وفصائل الحشد، تتمتع بالبعد الاسلامي والوطني يمكن لها أن تكون قناة وصل بين طاعة المرجعية الدينية في العراق وقيادة ولي الأمر القائد الخامنئي في إيران.
قيادة الشهيد المهندس لم تكن حزبية مع الأحزاب، ولم تكن تنافسية أو اقصائية. كانت تحفظ لكل جهة شأنها ولكل قيادة خصوصيتها والاكثر من ذلك كله كانت شخصيته كما يعبر أحياناً (اسفنجية) لها قابلية امتصاص النقمات والضغائن من صدور المتباغضين، لم يكن يسعى للزعامة فجاءته الزعامة مهرعة لأنها تبحث عن ضالتها، ولأن أولويته كانت حماية العراق تداعى له كل العراق، ولأن قيادته كانت بخدمة القادة تبوأ مركز الريادة، ولأنه يستحق الريادة، ختم الله له بالشهادة والسعادة، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً، ورزقنا الله شفاعته في الآخرة انه سميع مجيب الدعاء.