بقلم// عادل عبد المهدي
في 15/12/2014 كتبت افتتاحية بعنوان “الزيارة الاربعينية، امة” وذلك بعد انتهاء زيارة اربعينية ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ارى فائدة من اعادة نشرها بنصها، ونحن نعيش الاجواء العبادية والمجتمعية الرائعة والمذهلة لزيارة 2022:
[عادت الملايين سالمة غانمة مشبعة بالعشق الحسيني الذي لا يتحسس فضاءاته الا من تشبع بالعشق الالهي المحمدي.. وستدور الايام والسنون، وسيلتحق بالقافلة الملايين والملايين في خط صاعد لا ينقطع حتى اشراط الساعة. وبهذه المناسبة نطرح ملاحظتين.
اولاً، رغم ضخامة اعداد الزائرين، وسيطرة “داعش” على الموصل ومناطق اخرى، ورغم حرصنا على كل قطرة دم وكل شهيد يسقط حتى ولو نفساً واحدة، لكن العمليات الارهابية كانت محدودة جداً مقارنة بالاعوام الماضية.. وهذا دليل على ان الحملات الامنية والعسكرية وفعاليات الحشد الشعبي والبيشمركة وقوى المناطق الغربية والشمالية اعطت اؤكلها، خصوصاً بعد طرد الارهاب من مناطق كانت منطلقاً له.. فهم يتراجعون وخط الحسين (ع) يتقدم بايمان الملايين التي تهتف “هيهات منا الذلة”.. وسينتصر منطق العقل والحكمة والسلام والتعايش.
فكل من ينطق بالشهادتين ولا يعتدي هو اخ لاخيه في الدين، وكل مسالم هو نظير لغيره في الخلق.. سننتصر شرط ان لا يأخذنا الغرور، وان لا نظلم، وان نبقى حذرين، لا نندفع سريعاً او بعيداً قبل ان نوفر شروط النجاح والثبات.
ثانياً، ان الزيارة الحسينية امة.. بمعنى “كنتم خير امة اخرجت للناس”، و”ان ابراهيم كان امة”.. فهي حالة نقية تقوائية للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. انها العطاء المطلق.. والوصول للهدف فرداً يتصل بفرد.. وحلقة تتصل بحلقة في سلسلة مليونية وقوة جماهيرية تقود الجميع للهدف.
انها الوقوف للصلاة جماعة، عندما يرفع الاذان، جماعات جماعات على امتداد مئات بل الاف الكيلومترات.. انها الاجواء الروحانية والانسانية، اجواء الدعاء والشفاعة والاوراد ورفع الايدي للسماء.. انها الكبح المطلق للانانية والانوية.. انها القناعة.. واذلال الغرور والاستعلاء بخدمة الاخرين وبحبهم، وتقديم الغالي والنفيس لارضاءهم.. فهذا صباغ الاحذية يصبغ بكل سرور احذية الزائرين مجاناً ثم يضعها على رأسه وكأنه يقول اتشرف باحذيتكم التي تسير نحو الحسين (ع).. وهذا التاجر والميسور يخدم بيديه مجاناً الزوار دون النظر لطبقتهم .. وهذه العوائل المتعففة تفتح ابوابها لاستضافة اناس لا تعرفهم، جامعهم وملتقاهم الحسين عليه السلام.
فالزيارة وطن.. وشعب.. ونظام.. واخلاق، وقيم..انها انتماء وجنسية لا تفرق بين عربي واعجمي.. عابرة للدول والقارات، وللشعوب والقوميات وللمذاهب والديانات.
انها نموذج للحياة المثالية، ولو البسيطة.. فكل شيء لكل الزائرين.. فهم شرطة انفسهم.. ودولة انفسهم.. وانضباط انفسهم. وسادة انفسهم.. وعمال انفسهم.. وفيء واموال انفسهم.
فالزيارة برهان ان الايمان بالقيم السماوية المحمدية والابراهيمية.. وان الايمان بالعدل الالهي وقيمة الانسان، ان كان شيعياً او سنياً، مسلماً او غير مسلم، يمكنه ان يصنع امماً لا تقوم على الجبروت والظلم، بل على الاحسان والفضيلة والتعاون والتكافل والمحبة، شرط ان يذوب العشق الكامل بالهدف المتكامل.]