بقلم// يوسف السعدي
هذا الرجل الذي خاض في السياسة فكان الأبرز، وتفاعل في الانسانية فكان المبرز، وأي ميدان يدخل فيه، نجده قائداً وزعيماً وقدوة، يُحتذى به كل من يريد الخير والصلاح.
لم يكن نبياً مرسلاً ولم يوحَ اليه، لكنه أخذ كامل وصافي ما عند النبي، بتفويض من الخالق.. هو القرآن الناطق، وقلب محمد النابض، روح الإسلام متجلية فيه، هذا الرجل الذي إذا ما أردت ان تقيس أي جانب من سيرته، كانت هي المعيار والمسار الصحيح، فصار المقياس لسلامة العمل في أي مجال.
جعله الباري لكل ركن من أركان الدين وعبادة من العبادات عيداً، فجعل عيد الصلاة يوم الجمعة، وعيد الصوم عيد الفطر، وعيد الحج عيد الأضحى، فعيد الولاية هو عيد الغدير، وهو خاتمة العبادات هو عيده الأكبر.. وهذا يدل على ان ولاية علي ابن ابي طالب، ركن أساسي من أركان الإسلام، وهي الشعيرة التي اكمل الرسول بها الدين، وهو أمر واجب الطاعة وليس الارشاد، فالولاية هي إكمال الدين والنعم، هي سعادة الناس وولاية علي هي امتداد كل النبوات، وليس نبوة محمد عليه وآله أفضل الصلوات..
أمير المؤمنين هذا اللقب الذي لم يكن صنيعة علي نفسه، انما خصَّ به من السماء.. لقب لم يتصف به أحد، حتى من الائمة المعصومين، واستوقف عليه في معركة بدر، عندما لم يسمح النبي لعلي بالقتال، فطلب جبرئيل من النبي ان يسمح لأمير المؤمنين في القتال، لان الملائكة التي تقاتل مع المسلمين، تحب ان ترى علياً يقاتل بينهم، وقال الرسول لعلي هذا لقبك، ولا ينبغي لأحد من بعدك ان يكون له هذا اللقب.
وينقل عن الحسن والصادق قالا لمن لقبهما به (ويحك اتلقبني بلقب لا يكون إلا لعلي ابن ابي طالب، لا لقبله قد قال ولا لبعده).. وكلام للنبي في أكثر من حادثة وموقف، أعطى اشارات واقرارات على ان علياً هو الانسان الأكمل، بعد النبي محمد، هو التجلي والتناغم بين النظرية والتطبيق، هو وحي متحرّك، وضع حداً فاصلاً بين الثقافة وثقافة العرقية والتعصب الإسلامي، لان ثقافته الانسان، كرّس ثقافة تؤمن بالمعتقد باعتباره تطبيقاً عملياً للعدالة وليس شعاراً، كرّس ثقافة المواطنة.
هو بداية للحضارة الإسلامية، هو دفع الأمة الى طريق النجاة، استمرار الرسالة المحمدية بتطبيقات علي له، وكان السند لها في جميع المراحل، دولة علي أنموذج تطبيقي لدولة محمد..
وضوح عدالة وعلم علي، وانه الأفضل بعد الرسول، ليس في الفكر الاسلامي وانما في الفكر الإنساني، لذلك كتب عنه من مختلف المشارب، ولم يؤثر عليه اقصاء علي ومشروعه عن اداء سلطة، فهو انسانية شفافة تعطي ولا تأخذ، فعلي هو ديمقراطية حقيقية، لكن المتلقي غير مستوعب لعلي، فهو لا يحمّل الأمة كرهاً على ما يقتنع ويريد، هو عنده نص والمؤيدات الشرعية، ويدع الرأي للأمة في القبول والرفض، كأنه يقول، ان نجاح الانسان هو في اختياراته ليس عن طريق الفرض.. رجل زاوج بين الفضيلة والإنسانية، فأصدرت الدين بطريقة جميلة، أمة محمدية علوية، منسجمة مع تعاليم الإسلام.
حديث الغدير هو ناقوس الخطر لكل حاكم انحرف عن الدين، فصار كولاية دينية ومحبة وليس إدارية، ومحاولة إبطال حديث الغدير، لأنه يثبت ان الولاية لعلي شاملة، وإن يتم التكذيب بفضائله من قبل أعداء علي، حتى لا يفضحون، سبب حجب هذا الأمر هو سياسي، لان الحاكم الظالم لا يحب عدل علي، فصار هو وأولاده محور صراع، لأنهم الشخصيات التي تحفظ الاسلام لذلك تُوجّه لهم الحراب.
علي أيضا يشكل محنة لمن ينتمي اليه، لأنه حري به تطبيق تعاليم علي، ومعياره في حكم (أكرمكم عند الله أتقاكم) قال أمير المؤمنين، (مَنْ نصّب نفسه إماماً للناس عليه ان يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره) فواجبنا اذا ما اردنا سعادتنا في الدنيا والآخرة، اعادة اظهار علي في كل جوانب الحياة، وليس كمقاتل فقط، والسير على منهجه، وتحقيق أمة واعية ومتحدة بولاية الغدير، وبرغم اننا متفقون على عمق الحديث، ولكن نبتعد عن التطبيق.