تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » posts » إنتصار “المستضعف” غير المستسلم

إنتصار “المستضعف” غير المستسلم

  • بواسطة

بقلم // عادل عبد المهدي

بعد فرض الاحتلال وهيمنة المتعددة الجنسيات، وتعاظم جرائم “القااعدة” والارهااب، وازدياد الضغوطات والتحديات والانقسامات، كنت اتشرف بلقاء المرجع الاعلى سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني دامت افاضاته لاطلاعه على تطورات الاوضاع، واخذ النصح منه. ومرة ذكر سماحته بـ”اننا في وضع الضعيف غير المستسلم”، أو كلمات قريبة، دفعتني للتفكير المعمق بمداليلها: هل هي للتبرير؟ وهل يمكن لضعيف يتمسك بثوابته وحقوقه، ولا يستسلم للخوف والاغراءات والاوهام ان يتحول من الضعف الى القوة؟ وهل يمكن لعدم الاستسلام إحالة اقوى الاقوياء لنمور من ورق، حتى لو كانت مخالبها نووية، وتمتلك كل وسائل غسل العقول وشراء الذمم

وبصراحة، وجدت في الجملة يومها راحة نفسية، ولم اجد فيها حلاً عملياً. ولكن ما ان مرت فترة قصيرة، وازدادت التحديات، حتى بدأت الكلمات تفسر نفسها بنفسها. فيتحول الصمود وعدم الاستسلام للاجنبي وللارهااب الى قوة وجدناها في “الانسحاب” وقيام “الـ ح شد” وقوى المقاومة التي باتت من أهم عناصر قوتنا اليوم. وان يتراجع منطق الاحتلال نفسه امام مقاومة الشعب العراقي السياسية والمسلحة من جهة، وتتفكك معادلاته الداخلية وبين قواه من جهة اخرى. وبدأ العراق، الذي مزقته الحروب الداخلية والخارجية باستعادة قواه ومكانته. وكلنا يقين بان ما يحمله المستقبل اعظم واكبر. ليس فقط للعراق بل للمنطقة والعالم اجمع.

فنحن نشهد تطورات متلاحقة وعظيمة. ونجد اينما التفتنا قلاعاً تنهار واخرى ترتفع. فكثير من سياسات القوة والاملاءات تتهاوى امام شعوب استُضعفت، لكنها بقيت متشبثة بمبادئها وحقوقها، غير مستسلمة لسراب المال وجعجعة السلاح واوهام الاضواء وضجيج الاعلام. فالسياسات الظالمة ارتدت على نفسها، وتعلم المسُتضعف الصمود والمقاومة، وساد الارتباك صفوف اعدائه، ليضرب يمينهم يسارهم وبالعكس. لنشهد تطورات خطيرة على الصعد العالمية والمحلية على حد سواء.

فما يجري اليوم في فلسطين هو اقرب للمعجزة. فبعد اكثر من 7 عقود على “الاحتلال” ينتفض الشباب ضد معاقل العدو بسكين صغير او مسدس بسيط، او بالمقلاع والحجارة. هم انفسهم من عول العدوعلى نسيانهم لحقوق شعبهم وتنمية طموحاتهم الانانية وغسل عقولهم وجعلهم كبقايا الهنود الحمر. هم انفسهم ابطال المعارك الدائرة. معارك إرادات قبل ان تكون معارك سلاح. فمثال غزة الصامدة و”سيف االقدس” يتكرر في جنين وطولكرم ورام الله والقدس وباقي اراضي الضفة والـ48، والقادم اعظم. فما لم يستطع “الاحتلال” و”الاستيطان” -وحماته- فعله وهو في اوج قوته، سيعجز عن فعله وهو في انحداره وتفككه.

والامر ذاته في اليمن. حيث تتضافر الجهود لايقاف الحرب العبثية الظالمة التي دمرت البلاد والعباد. وسيقطف ثمار النصر من صمد، ومن يستوعب الدروس وينتصر لحل لانهاء الحرب، وبان منطق الباطل سينهار على نفسه. وان الحق هو السلاح الاقوى، الذي سينتصر بعوامل تراها العين، واخرى غيبية، بشر بها الله سبحانه وتعالى عبيده الصابرين المحتسبين.

كذلك الامر في الملف النووي الايراني، وفي لبنان وسوريا وبقية البلدان العربية والخليجية والاسلامية حيث نشهد اعادة ترتيب منطلقات واولويات ما زالت متداخلة تشوش بعض الرؤية اليوم لكنها ستنجلي غداً، ليصدق قوله تعالى “فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها”، رغم كل مظاهر الجعجعة والتطبيع والترهيب. ويقينا ستتغير المواقف، وتنحسر جبهة الاعداء وتنهار خططه. ولا يستغربن احدٌ توسع جبهة الاصدقاء والمهادنين، منتقلين اليها من جبهة المترددين والخصوم.

فخلال اسابيع قليلة من الحرب في اوكرانيا، تغيرت مواقف الكثير من الدول واصطفافاتها، كما تغيرت نظرة الملايين في الشرق والغرب لمصادر القوة الاقتصادية والنقدية والعسكرية والسياسية داخل كل بلد وعالمياً. فما بدا منيعاً قوياً عملاقاً، يتهاوى بسرعة امام من كان يُستخف به وباحقيته، او امام فكرة او مشروع كان يبدو حلماً وخيالاً. فنحن يقيناً في بداية مرحلة جديدة. قد تتطلب وقتاً اطول مما يتصوره البعض. لكنها مرحلة تقدم لمن كان بالامس ضعيفاً/مقاوماً غير مستسلم، وتراجع لمن كان مغروراً ببأسه وظلمه وعدوانه.

ستبقى يقيناً الكثير من التحديات والمظالم، وستلد اخرى لا تقل خطورة. فنحن لا نريد السقوط في تفاؤل كاذب وسراب واوهام، بل نريد الخروج من تشاؤم قاتل يراد به دفعنا للاستسلام والاحباط والهزيمة.