كتبه / كمال خلف
عملية طوفان القدس التاريخية، نقطة تحول في الصراع مع إسرائيل، وفي ذات الوقت نقطة تحول في البيئة السياسية في المنطقة، تعيد للقضية الفلسطينية مكانتها وموقعها الطبيعي على رأس الهرم، بعد سنوات التخلي والتهميش المتعمد، كانت ساعات فجر السابع من أكتوبر ساعات كاشفة، وحدت الجماهير العربية من المحيط الى الخليج في الإحساس بالنشوة والكرامة والعزة، انهارت منظومة تزييفه وتدجينه، واختبأت الوجوه الكالحة تلك التي سوقت لليأس والاستسلام وعدم جدوى خيار المقاومة. كنا رغم محاولات التضليل والتعمية والتيئيس والهرولة نحو العدو نسبح عكس التيار، مؤكدين ان مفهوم الامة مازال صالحا وقائما، وان ضمير الامة والشعوب العربية مع فلسطين ومقاومتها ومع المقاومة في لبنان وخيارات حلف المقاومة في المنطقة.
معركة “طوفان الأقصى” مازالت مستمرة، لها تداعياتها، والانظار نحو رد الفعل الإسرائيلي بعد الصدمة. الظاهر حتى اللحظة انهم يفكرون بالطريقة التقليدية ذاتها منذ نشأتهم وهي ارتكاب المجازر والتدمير، ذاك طريق بات يؤدي الى تعميق ازمة إسرائيل وورطتها. ولن يوقف المسار الاستراتيجي ولن يغير حقائق تطور الصراع. هو خيار جربته إسرائيل لاكثر من سبعين عاما، ولم ينجح وأعطى نتائج معاكسة تماما.
ماذا لو كانت تملك المقاومة الفلسطينية قدرات عسكرية اكثر تطورا وفعالية، ماذا لو كان لديها خط امداد، ماذا لو لم تكن غزة محاصرة ؟ ماذا لو امتلكت الاجنحة العسكرية الصغيرة في الضفة الغربية إمكانات المقاومة في غزة ؟ حكما كان هجوم طوفان القدس قد حسم الصراع مع إسرائيل ربما في أيام. لقد اعطى ” طوفان القدس ” المثال العملي والواقعي لمقولة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ” ان إسرائيل اوهن من بيت العنكبوت “. وأثبتت صحة نظرية ان إسرائيل اليوم ليست هي إسرائيل التي هزمت الجيوش العربية مجتمعة في حرب عام ١٩٦٧.
مشاهد عملية ” طوفان الاقصى ” والصور التي عمت الكرة الأرضية، والوان الملابس الداخلية للجنود والضباط الإسرائيليين التي ملأت الشاشات وغيرها من المشاهد، بعثت رسالة مباشرة لتيار ودول التطبيع العربي، ان الشعب الفلسطيني لن يقبل بالفتات، ولن يحول قضيته الى حالة تسول لتحسين ظروف حياته بما تمن عليكم به إسرائيل مقابل التطبيع. رسالة تقول انكم في الجانب الخطأ من التاريخ، وانكم في الجانب المعادي لموقف ومشاعر شعوبكم.
رغم هول عملية ” طوفان الأقصى” وفرادتها في التاريخ العربي المعاصر، وفي محطات صراع العرب مع إسرائيل طوال سبعة عقود ونيف وبتاريخ الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها رسميا عام ١٩٦٥. الا انها ليست اقصى ما في ذهن قادة محور المقاومة. ولا نبالغ ان قلنا انها ” بروفا المعركة الكبرى ” التي يتجهز لها محور المقاومة بصمت منذ سنوات. وعندما اعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ان المقاومة قد تدخل الجليل شمال فلسطين في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل، لم يكن يعلن مواقفا سياسيا، بقدر ما كان يعلن عن مشروع امة، ومصير صراع، يجري الاعداد له ليل نهار وتأمين كل متطلباته.
عملية “طوفان الأقصى” رغم قساوتها على إسرائيل، ورغم اعتبار خبرائها انها زلزال او تسونامي، الا انها ليست سوى نموذج مصغر للمعركة الكبرى وللحرب الأخيرة القادمة لا محالة. ان مشاهد هروب المستوطنين مذعورين من مستوطنات غلاف غزة هو المشهد المصغر للهروب جماعي القادم من المدن الرئيسية في عموم فلسطين المحتلة، وان مشاهد اذلال الجيش الإسرائيلي وتمريغ انف ضباطه المتعجرفين المجرمين بالتراب، سوف تتكرر وفق معادلات صراع جديدة. هذه المعركة الكبرى والأخيرة لم تعد بعيدة، بل قاب قوسين.
وكما بشرنا لسنوات وعبر هذا المنبر بلحظة ” طوفان الأقصى ” وكنا واثقين بقدومها، بصبر وعدم اكتراث للاتهامات والتشويه ومحاولات التضييق والعزل، واحيانا السخرية. اليوم نحن واثقون بصبر وثبات بان ميزان الصراع تغير، وان لحظة اكثر دهشة وصدمة اتية. واننا جيل سوف يشهد الحرب الأخيرة، ونهاية دولة الاحتلال والظلم والقتل. وان اعلام ورايات حلف المقاومة سترفع في الجليل والقدس. والى حينه نعتقد ان الصدمات التالية لن تكون محصورة بالجغرافية الفلسطينية.