بقلم// قاسم العجرش
واحد من أهم تطلعات العراقيين من الحكومة القادمة ، هو إنجاز إنتخابات نظيفة بمفوضية نظيفة وقانون نظيف، ومن المنتظر أن تجرس تلك الأنتخابات خلال افق ليس بعيد، هنا لدينا بعض ألأفكار نحو مفوضية إنتخابات مستقلة بشكل حقيقي..
تتأثر العملية الانتخابية بشكل كبير بطبيعة الإدارة الانتخابية، ممثلة في اللجنة أو الجهاز المخول قانونا بهذه العملية، من حيث الإشراف والتسيير والتخطيط والتنظيم والمتابعة.
وتأخذ الإدارة الانتخابية في الدول أشكالا مختلفة، فقد تكون إدارة حكومية، أو إدارة مستقلة، أو إدارة مختلطة.
وقد اعتمد المشرع العراقي نموذج الإدارة المستقلة االممثلة في هيئة مستقلة مختارة من طرف الطيف السياسي أغلبية ومعارضة، مدعومة بإدارة مكلفة بدعم المسار الانتخابي.
ولهذا أنشأ المشرع العراقي سلطة عمومية هي المفوضية المستقلة للانتخابات، ومتعها بالاستقلال الإداري والمالي، ومنحها صلاحيات تحضير وتنظيم مجموع العملية الانتخابية والإشراف عليها بدء بمرحلة التصديق على الملف الانتخابي ولغاية الإعلان المؤقت عن النتائج وإحالتها إلى المحكمة الأتحادية بقصد الإعلان النهائي.
والمفوضية مسؤولة عن حسن سير الإقتراع وشفافيته ونزاهته، ولهذا فهي المعنية بالملف الانتخابي، والترشحات، قبول المترشحين، الشعارات، العلامات والرموز الانتخابية، المعدات، مكاتب التصويت، عمليات التصويت، الفرز وصياغة المحاضر، مركزة وإعلان النتائج المؤقتة وإحالتها
وعموما منحها المشرع العراقي سلطة تحضير وتسيير العملية الانتخابية ، وتنسق المفوضية مع المؤسسات الحكومية والأهلية المختصة مراقبة تحضير ومراجعة وتسيير الملف الانتخابي والإحصاء الانتخابي، وتعتمد العمليات المناسبة لذلك، بالإضافة إلى إعداد طلبيات المعدات الانتخابية على واستلامها وتدقيق مطابقتها.
لقد أسند المشرع العراقي لهذه المفوضية مهمة مفصلية في تاريخ الشعب العراقي ممثلة في إدارة وتسيير وتحضير العملية الانتخابية، بيد أن الانتخابات محطة أساسية في المسار الديمقراطي لأي دولة، فهي محطة حاسمة في إنتاج طبقة سياسية مستقبلية تحمل هموم المواطن وتحقق انتظارات المجتمع، طبقة تتحمل المسؤولية، وتتحلى بالكفاءة، وتحمل تصورا جادا لحل إشكالات التنمية والانسجام المجتمعي، ولن يكون الاستحقاق الانتخابي مفضيا لتحقيق الرهانات السابقة دون وجود لمؤسسةانتخابية قوية تتميز بالكفاءة والنزاهة والحياد، ودون ذلك سنبقى في حلقة مهزلة الانتخابات الشكلية التي تعقد الوضع السياسي، وتسبب الاحتقان، الانتخابات التي تفرق ولا تجمع، الانتخابات الهزيلة التي تفرز نخبا ضعيفة وغير مسؤولة، ولا تحمل أي رؤية وطنية.
يمكن للمفوضية المستقلة للانتخابات أن تحقق رهانات وطنية كبرى، إذا تم الاختيار على أساس الكفاءة والنزاهة والحياد، وكانت مؤسسة تحمل تصورا وطنيا وفهما عميقا لأهمية المسار الانتخابي الشفاف والنزيه المفضي إلى تحول الحياة السياسية نحو الأفضل، ومن هذه الرهانات:
• رهان ضمان مشاركة جميع العراقيين، إينما كانوا وتحت أي ظرف في الإدلاء بأصواتهم، وعدم السماح بإستبعاد اي عراقي مستوفي لشروط المشاركة من العملية الأنتخابية.
• رهان الاستقرار السياسي: إن استطاعت اللجنة أن تسير الانتخابات وفق مبادئ الشفافية والنزاهة بجميع أبعادها السياسية والمالية والإدارية، كان ذلك سببا في رضى الأطراف السياسية وقبولها بالعملية ومخرجاتها، وهذا لعمري أهم مقوم من مقومات الاستقرار السياسي
• رهان الانسجام الوطني: تستطيع مفوضية الأنتخابات من خلال دورها التوعي أن تسهم في تعميق روح المواطنة، وإعلاء قيمة الوطن، والاستثمار الايجابي للتنافس، بعيدا عن النزعات المفرقة والخطابات العنصرية
• رهان التنمية: يمكن لمفوضية الأنتخابات أن تلعب دورا أساسيا في التنمية من خلال تهيئة المناخ لاختيار الأكفأ الحامل للهم الوطني، ومن خلال محاربة المال السياسي، ومواجهة الرشوة الانتخابية وشراء الذمم.
• رهان جذب الاستثمارات: إن نجحت مفوضية الانتخابات في تسيير انتخابات شفافة ونزيهة، فإن ذلك سينعكس إيجابا على سمعة البلاد، مما سيكون له الأثر الإيجابي على جذب الاستثمار وتعبئة الموارد وثقة الشركاء.
لقد منح المشرع العراقي مفوضية الاستقلال الإداري والمالي، وهذه مزية حاسمة في عملها إذا قبلت الحكومة والقوى السياسية والمجتمعية بذلك، وأحجمت عن التحكم والإملاء، وكانت المفوضية على مستوى التحدي متمسكة باستقلالها وعدم تبعيتها لأي جهة، ويعتبر الاستقلال الإداري غاية في الأهمية، لكن يبقى الاستقلال المالي من الرهانات الحاسمة في أداء المفوضية وجودة عملها، ويقتضي إقرار المفوضية لمواردها المالية وجاجياتها اللوجستية وعدم المبالغة في رسم السياسات المالية، وتسليمها الحكومة تلك الموارد دون أن تكون لها عليها سلطان، ويبقى تحكم الحكومة في تلك الموارد خرقا للقانون، وتحكما في عمل المفوضية يقوض اختيار المشرع وتوجهاته.
تواجه المكفوضية المستقلة للانتخات تحديات كبيرة، يمكن أن تؤثر على أدائها، بل تقوض عملها منها:
حسن اختيار هييئة أمنائها : ويعتبر هذا من أخطر التحديات، فعندما يتم اختيار أعضاء المفوضية بلعيدا 8عن المحاصصة على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرات القانونية، تكون النخب السياسية قد أحسنت الاختيار، وتجاوزت عقبة كأداء مؤثرة بشكل حاسم في أداء اللجنة وقيامها بمهمتها.
الاستقلال الإداري والمالي: فكلما تكرس هذا الاستقلال وتجسد، تمكنت المفوضية من حسن الأداء، ومن جودة التحضير والتسيير.
اختيار الطواقم المركزية واللجان الفرعية والمقاطعية: عندما توضع معايير موضوعية وواضحة، يتم على أساسها اختيار طواقم المفوضية المركزية أو المحلية، تكون المفوضية قد قطعت شوطا في حسن تنظيم وتسيير الانتخابات، وكلما كانت الطواقم ضعيفة الكفاءة ومختارة على أساس الزباننية واستغلال النفود السياسي والمجتمعي كان ذلك مقوضا لعمل اللجنة وسيئا.
التنظيم الجيد للاحصاء الانتخابي، ومحاربة ظاهرة ترحيل الناخبين: وهذه من التحديات الكبرى التي على اللجنة التعامل معها بصرامة وجدية
تدخل الإدارة والقوات المسلحة في العملية الانتخابية: يجب أن تحرص اللجنة على وقوفهما على نفس المسافة من المتنافسين، وأن تعمل على تفعيل قانون التعارض
مواجهة المال السياسي والرشوة الانتخابية: من منغصات العملية الانتخابية انتشارالمال السياسي، ورشوة الناخبين، وهو ما يتطلب صرامة وقوة ويقظة، وتطيق القانون في هذا الإطار
حسن اختيار مكاتب التصويت، وأعضاء هذه المكاتب: من التحدبات الكبرى أمام امفوضية مراعاة التطبيق الصارم للقانون في التقطيع الجغرافي لمكاتب التصويت، ومنها اختيار رؤساء ومكاتب التصويت على أساس الكفاءة والحياد، وفي هذا الإطار يتعين عليها تجنب مكاتب العائلات والأقراد.
معالجة التظلمات بكفاءة في الوقت المناسب.
تبقى المفوضية المستقلة للانتخابات أهم ضمانة لشفافية ونزاهة الانتخابات إن توفرت الإرادة السياسية الجادة وحسن الاختيار، وتكرست مقتضيات الاستقلال الاإداري والمالي، وتبقى الانتخابات الشفافة والنزيهة رهانا وطنيا يؤسس لبناء وطن متجانس، ومستقر ويتطلع لمستقبل واعد، تتجسد فيه دولة القانون وتتحقق التنمية، وتتكرس المواطنة، وتصان حقوق الإنسان.