الجفاف في سوريا حالياً هو الأسوأ منذ 70 عاماً، ويهدد بحدوث موجة لجوء وهجرة جديدة بعد أن اجتمعت آثار الحرب والتغييرات المناخية للإجهاز على الزراعة في البلاد.
فعلى ضفاف نهر الخابور في شمال شرق سوريا، تقع قرية تسمى أم غرقان، والمفارقة أن القرية تعاني الآن من الجفاف رغم تجاورها مع نهر الخابور، أحد روافد نهر الفرات.
جف نهر الخابور تماماً مثل الأنهار والبحيرات والسدود الأخرى في جميع أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب، حيث يفشل حصاد المحاصيل وتحتضر الماشية وتزداد ندرة مياه الشرب النظيفة.
هذا النقص الحاد في المياه جراء الجفاف في سوريا جعل العائلات، التي نزحت مرتين بسبب الحرب الأهلية في سوريا واستيلاء داعش الارهابي على هذه المنطقة بعد ذلك، تستعد الآن للنزوح مرة أخرى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
قمامة ونهر آسن في جنة القمح السورية
تقول سيبرو، وهي امرأة مسيحية آشورية، مشيرة إلى قناة مليئة بالقمامة كانت تحول المياه من النهر إلى حقول القمح والشعير والقطن وبساتين الأشجار المثمرة ومراعي الماشية “أقسم بالله أن هذه المنطقة كانت مثل الجنة والآن أصبحت جحيماً. لقد نزح الناس مرات عديدة. ولكن بما أن العثور على مياه الشرب أصبح صراعاً، فقد بدأوا في المغادرة مرة أخرى”.
من جانبه، حذر تحالف من مجموعات الإغاثة بما في ذلك منظمة “العمل ضد الجوع” والمجلس النرويجي للاجئين هذا العام من أن الانهيار الكامل لإنتاج المياه والغذاء وشيك جراء الجفاف في سوريا. وسيتأثر الملايين من السكان بهذا الكارثة، فهناك أكثر من 5 ملايين شخص في سوريا وحدها يعتمدون على نهر الفرات للحصول على مياه الشرب. لكن مستويات النهر تنخفض بشكل خطير.
مع افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ في غلاسكو في نهاية هذا الأسبوع، ذكّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العالم بأننا ما زلنا على المسار الذي يؤدي إلى وقوع “كارثة مناخية”.
وتوقع الأمين العام للأمم المتحدة ارتفاع متوسط عالمي في درجة الحرارة بنحو 2.7 درجة مئوية. وقال إن هذا الأمر سيكون صعباً بالنسبة لدولة مثل سوريا التي تعد من بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ.
60% من السكان في قبضة الجوع بسبب الجفاف في سوريا
في بداية عام 2021، قال برنامج الأغذية العالمي إن 12.4 مليون سوري، أو ما يقرب من 60% من السكان كانوا في قبضة الجوع.
ولكن بعد أسوأ موسم حصاد على الإطلاق، هناك مخاوف جدية من أن هذه النسبة ستحطم أرقاماً قياسية جديدة العام المقبل. وتعد منطقة شمال شرق سوريا واحدة من أكثر المناطق تضرراً، والتي من المفترض أن تكون سلة غذاء للبلاد. وقال أحد مسؤولي المنظمات غير الحكومية التي تراقب الأزمة لصحيفة The Independent البريطانية إن هناك فشلاً في حصاد المحاصيل بنسبة 75% في عام 2021.
في بعض المناطق، مثل الحسكة حيث تقع قرية أم غرقان، تجاوزت تلك الخسائر 90%. تشير البيانات إلى أنه سيكون هناك نقصٌ في 250 ألف طن من دقيق الخبز للمخابز في العام المقبل. الآن هو موسم الحرث وزراعة محصول العام المقبل. لكن الأمطار لم تأت بعد، والأنهار جافة، ولذلك قال المزارعون، الذين يعتمدون على القروض لشراء البذور والأسمدة، لصحيفة The Independent إنهم يخشون مواصلة الفشل في حصاد آخر العام المقبل.
بالتالي لا تقتصر العوامل المهددة لحياة الناس على الفقر والانهيار الاقتصادي وعقد من الحروب- بما في ذلك المعركة ضد إرهابيي داعش- فالجفاف هو الكارثة التالية التي تلوح في الأفق.
كذلك أدت درجات الحرارة المرتفعة والتلوث وانخفاض مستويات هطول الأمطار وانهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والانقطاع المتعمَّد لإمدادات المياه إلى خلق ما يسميه الخبراء “عاصفة كاملة”، مما أدى إلى تفشي الجوع والأمراض، فضلاً عن الانهيار الوشيك للسدود التي توفر الكهرباء التي يعتمد عليها السكان في كل شيء من الأعمال إلى الرعاية الصحية.
ويقول أحد المسؤولين الممثلين لهيئة من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في شمال شرق سوريا “إننا نشهد زيادة مقلقة في حالات سوء التغذية في الشمال الشرقي ولكن لا يوجد علاج لها لأن معبر المساعدات الرئيسي مغلق. ليس لدينا القدرة على سد هذه الفجوة”.
ويضيف المسؤول: “نوعية المياه آخذة في الانخفاض أيضاً، لذلك نشهد أمراضاً تنقلها المياه في مناطق في الحسكة والرقة ودير الزور، بما في ذلك مخيمات النازحين”.
وقال خبراء في شمال شرق سوريا لصحيفة The Independent إن المياه الجوفية آخذة في الانخفاض بشكل خطير وأصبحت مالحة مع تزايد عدد الأشخاص الذين يعتمدون على حفر الآبار محلية الصنع.
حتى سنوات قليلة ماضية، يقول السكان المحليون إن قطعة الأرض هذه كانت تطل على سد غرب الحسكة، والذي بُني في أوائل التسعينيات لتوفير الكهرباء ومياه الشرب والمياه الزراعية للمنطقة، فضلاً عن مكان شعبي للسباحة.
لكن مزيجاً من قلة هطول الأمطار وتناقص منسوب الأنهار وارتفاع درجات الحرارة جعلها تجف لتصبح وادياً غير ذي زرع. كذلك تصاعد التوتر في هذه المنطقة بسبب قلة الموارد المائية المتبقية.
وقال حسن- وهو مزارع يمتلك 16 هكتاراً من الأرض، والتي تعتمد بالكامل على مياه الأمطار: “لقد جف السد منذ حوالي ست سنوات، وفي العام الماضي مع جفاف نهر الخابور القريب تماماً، ازداد الوضع سوءاً”.
ويقول إنه فقد محصوله من القمح هذا العام ويحذر من أنه إذا استمرت مشاكل المياه، فسيتعين عليه المغادرة لينضم إلى ملايين النازحين داخل سوريا.
موجة هجرة جديدة تهدِّد البلاد
لكن المشكلة بالنسبة للكثيرين تكمن في تحديد الوجهة التي يتجهون إليها، نظراً لأن سد غرب الحسكة ليس السد الوحيد الذي يواجه تلك مشكلة. فقد أدى انخفاض منسوب المياه بشكل قياسي في نهر الفرات إلى تدمير سدي تشرين والطبقة الواقعين جنوب غرب الحسكة لخدمة حوالي 3 ملايين شخص في شمال سوريا من حيث الكهرباء والمياه.
وفقاً للبيانات المجمعة من قبل إحدى مجموعات المراقبة والتي اطلعت عليها صحيفة The Independent، خلال فصل الصيف، انخفضت مستويات المياه في نهر الفرات تقريباً إلى ما يُعرف باسم “المستوى الميت”. إذا حدث ذلك فقد يتسبب في تلف دائم للسدود. ويعني أيضاً توقف إنتاج الكهرباء، وتوقف محطات المياه.
من جانبه، حذر مارتن غريفيث، مسؤول الإغاثة في الأمم المتحدة، من أنه في أواخر يونيو/حزيران الماضي، تأثر ما يقرب من نصف محطات مياه الشرب على طول نهر الفرات “بشكل كبير أو شديد بسبب انخفاض منسوب المياه بشكل خطير جراء الجفاف في سوريا”.
ويقول كبير المهندسين علي سالم إن مستويات نهر الفرات انخفضت منذ بضعة أشهر لدرجة أنه اضطر إلى إيقاف المضخات لمنعها من الانهيار. لقد جرى قطع المياه عن أجزاء من المدينة المتعثرة، التي يقطنها حوالي 400 ألف شخص وما زالت إلى حد كبير بمثابة أنقاض من جراء المعركة الوحشية للإطاحة بداعش الارهابي.
تبادل الاتهامات بين تركيا والإدارة التي يقودها الأكراد
وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يسيطر على نحو ثلث سوريا؛ من خلال سيطرته على ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، وتنظر له الأغلبية العربية في المنطقة كاحتلال، حسب تقرير آخر لمركز كارنيغي.
ومثل الكثيرين في شمال شرق سوريا، يلقي سالم باللوم على تغير المناخ وكذلك تركيا، حيث ينبع نهر الفرات، مدعياً أن أنقرة لا تحترم عن عمد المعاهدات الدولية للمياه.
هذه التصريحات الصادرة عن المهندس علي سالم شبيهة بتصريحات إلى صحيفة The Independent البريطانية صدرت عن سلطات المياه الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تخوض صراعاً طويل الأمد مع أنقرة.
وترى تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية، ولا سيما المكون الرئيسي لها، وحدات حماية الشعب، هي امتداد لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة كردية مسلحة مقرها تركيا صنفتها أنقرة وواشنطن على أنها جماعة إرهابية.
في عام 2019، شنت تركيا هجوماً عبر الحدود ضد الأكراد في سوريا، وتواصل مع الميليشيات السورية السيطرة على العديد من البلدات الحدودية السورية.
لكن السلطات التركية نفت بشدة خنق إمدادات المياه للأراضي التي يديرها الأكراد، وأصرت على أن تركيا تعاني من نفس الجفاف، وبالتالي فإن مستويات المياه فيها منخفضة أيضاً.
وأثارت الأمم المتحدة مخاوف بشأن انقطاع عمل محطة علوك للمياه في منطقة رأس العين، المحطة الرئيسية في المنطقة التي تخضع لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا منذ خريف 2019.
بموجب اتفاق، من المفترض أن تضمن تركيا استمرار عمل محطة علوك في صرف المياه إلى الحسكة مقابل توفير الكهرباء من السلطات التي يقودها الأكراد.
لكن منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية قالت الأسبوع الماضي إنه منذ يناير/كانون الثاني 2021 شهدت المحطة 89 يوماً من عدم الضخ على الإطلاق، و142 يوماً تعمل بأقل من نصف طاقتها المعتادة.
هذه الانقطاعات تركت أجزاء من الحسكة- إحدى أكبر المدن السورية- دون وصول المياه المنقولة بالأنابيب لمدة شهرين.
من جانبها، نفت تركيا بشدة مزاعم العبث بمحطة علوك. وقال تانغو بيلغيتش، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في يوليو/تموز 2021، إن الانقطاعات سببها قيام القوات الكردية “عمداً” بقطع التيار الكهربائي عن محطة المياه والمنطقة.
وأوضح أن “انقطاع التيار الكهربائي هذا يعطل وظائف المحطة لتوفير المياه، ويزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة”.
لكن الأكراد ينفون ذلك. والضحايا من جراء هذا الأمر هم المدنيون، حسب الصحيفة البريطانية.
إذا لم تكن هناك أمطار ستقع كارثة
يحدق المزارعون في القرى المحيطة بالأنهار الجافة في السماء ويشعرون بالقلق من حلول أكتوبر/تشرين الأول مع عدم هطول الأمطار بعد. ويناقشون كيفية التحوط من رهاناتهم للعام المقبل، والذي يبدو قاتماً بشكل متزايد.
يتعين على الجميع أن يقرر الآن ما إذا كان سيحصل على قروض لشراء البذور والأسمدة لزراعة حقولهم: هناك مخاطرة كبيرة إذا أدى الجفاف إلى تدمير محصول آخر.
لهذا يفكر الكثير من السكان في الانتقال إلى جزء آخر من سوريا، أو حتى محاولة السفر إلى الخارج. وهذا هو السبب في أن الأزمة في سوريا ليست شيئاً يمكن للعالم الخارجي ببساطة أن يتجاهله، أو حتى يأمل في بقاء هذا الوضع في سوريا وحدها ولا ينتقل إلى العالم الخارجي. ويقع العراق المجاور أيضاً في قبضة واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخه الحديث وهناك أناس في حالة تنقل أيضاً.
يقول ويم زوينينبورغ، الذي يعمل في منظمة السلام الهولندية PAX وقد كتب العديد من التقارير عن المنطقة. “ما نشهده هو انهيار بيئي محتمل في شمال شرق سوريا من كل من الجفاف الناجم عن المناخ والأضرار البيئية المرتبطة بالنزاع”.
علاوة على ذلك، يؤدي تلوث النفط وانخفاض مستويات المياه الجوفية وزيادة مشاكل النفايات الصلبة إلى عدد لا يحصى من المشاكل.
يقول زوينينبورغ: “الناس يائسون ويريدون مغادرة سوريا، خوفاً من عدم وجود مستقبل لهم في أرض يتوقعون أن تصبح قاحلة جافة وسامة”.
لكنه يقول إن الحل ليس أن ينتظر العالم حدوث ذلك ويتعامل مع العواقب لاحقاً. على المجتمع الدولي والسلطات الاستجابة لدعوات “جعل المنطقة خضراء مرة أخرى”.
المصدر / عربي بوست