متابعات //
قال مجلس القضاء الأعلى، اليوم الأحد، إنالطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي في قرارات المنفذ العدل المصدقة تمييزاً بين المنع والاجازة.
وفي مقال نشره موقع القضاء الأعلى للقاضي عواد حسين ياسين العبيدي / نائب رئيس محكمة استئناف كركوك الاتحادية، جاء فيه:
يعد الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي أحد طرق الطعن غير العادية التي تتطلب شروطاً معينة لقبوله وتناولت المواد (219- 223) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل الأحكام الخاصة حول القرارات التي يجوز الطعن فيها بطرق تصحيح القرار التمييزي، والأسباب التي تجيز الطعن به، وموانع الطعن، والمدة المحددة لتقديمه والآثار المترتبة عليه.
وعُرِّفت طرق الطعن بالأحكام بأنها: “عبارة عن الوسائل القانونية التي تمكن المحكوم عليه من إعادة النظر في الحكم الصادر عليه بقصد إلغائه أو تعديله”([1]).
حددت المادة (118) من قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 المعدل طرق الطعن في قرارات المنفذ العدل فقد نصت على: “يكون قرار المنفذ العدل، قابلاً للطعن فيه عن طريق:
أولاً: التظلم من القرار.
ثانياً: التمييز”.
ولخلو قانون التنفيذ النافذ من الإشارة إلى طريق الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي في قرار المنفذ العدل فقد احتدم الخلاف فقهاً وقضاءً حول جواز الطعن في قرار المنفذ العدل بطريق تصحيح القرار التمييزي بين من يجيز اللجوء إلى هذا الطريق من طرق الطعن وبين من يمنع سلوك هذا الطريق من طرق الطعن لذا يمكن رصد هذا الخلاف الفقهي والقضائي وإرجاعه إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: المانعون للأخذ بالطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي.
يرى أنصار هذا الاتجاه عدم جواز الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي بشأن قرارات المنفذ العدل المصدقة تمييزاً وقد استند أنصار هذا الاتجاه لتعزيز رأيهم إلى الحجج والأسانيد القانونية الآتية:
أ: ان المادة (118) من قانون التنفيذ (النافذ) حددت طرق الطعن التي تخضع لها قرارات المنفذ العدل وعلى سبيل الحصر واقتصرت على: “التظلم من القرار، التمييز” دون النص على الطعن بطريق طلب تصحيح القرار التمييزي، وان التمسك بعمومية قانون المرافعات “بوصفه قانوناً إجرائياً عاماً” غير ممكن للأخذ بهذا الطريق؛ لأن قانون التنفيذ وهو قانون خاص تطرق إلى موضوع الطعن بقرارات المنفذ العدل وحددها دون الإشارة إلى طريق طلب تصحيح القرار التمييزي مما يفسر على أنه صرف النظر عن هذا الطريق ضمناً([2]).
الملاحظ على الرأي المتقدم أنه يستند على نص المادة (118) من قانون التنفيذ ويترتب على ذلك أن طرق الطعن في قرار المنفذ العدل حددت على “سبيل الحصر” ومعنى “الحصر” لغةً هو “الحبس والمنع”([3]). أما الحصر اصطلاحاً فَعُرِّف بأنه: “إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه”. وعُرِّف أيضاً بأنه: “تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص”([4]).
ب: إن قانون التنفيذ العراقي الملغى رقم (30) لسنة 1957 كان ينص صراحة على طريق الطعن بتصحيح القرار التمييزي وذلك في الفقرة (1) من المادة (4) منه فلو كان المشرع العراقي في قانونه الجديد (النافذ) يرغب في الإبقاء على هذا الطريق من طرق الطعن لأبقاه.
ج: إن المشرع العراقي أورد طلب الطعن بتصحيح القرار التمييزي في المادة (168) من قانون المرافعات المدنية والتي نصت على انه: “الطرق القانونية للطعن في الأحكام هي: “1- الاعتراض على الحكم الغيابي، 2- الاستئناف، 3- إعادة المحاكمة، 4- التمييز، 5- تصحيح القرار التمييزي، 6- اعتراض الغير”. وهذا الاتجاه يعد اتجاهاً منتقداً([5])؛ لأن الطعن المذكور لا ينصب على الأحكام التي تصدرها محكمة الموضوع، ولا يتصور وقوعه ابتداءً، بل هو طريق للطعن في القرارات التمييزية الصادرة من محكمة التمييز أو محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية.
ومصداقاً لما تقدم فقد نصت الفقرة (أ) من المادة (219) من القانون ذاته على أنه: “لا يجوز الطعن في قرارات محكمة التمييز وقرارات محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية إلا عن طريق تصحيح القرار أمام المحكمة التي أصدرت القرار المطلوب تصحيحه ولا يقبل الطعن إلا بالنسبة للقرارات المصدقة للحكم والقرارات الصادرة من محكمة التمييز بنقضها إذا فصلت في الدعوى موضوع الطعن في المادة (214) من هذا القانون وذلك عندما يتوفر سبب من الأسباب الآتية…”. خصوصاً وأن الطعن الصادر في قرار المحكمة وفق المادة (214) مرافعات مدنية له شروط خاصة([6])، وحيث إن القرارات التمييزية الصادرة في المسائل التنفيذية لا يمكن إخضاعها للطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي؛ لأن ما يصدر من المنفذ العدل يعد قراراً وليس حكماً، وبالتالي لا يعد القرار التمييزي المصدق له قراراً مصدقاً للحكم([7]).
د: ان قانون التنفيذ هو قانون خاص وإن قانون المرافعات هو قانون عام وإن القاعدة الأصولية تقضي بأن “الخاص يقيد العام” كما إن طريق تصحيح القرار التمييزي هو طريق طعن استثنائي وإن إجازة الطعن في القرارات التمييزية الصادرة في القضايا التنفيذية إنما يتعارض مع اعتبار مشروع قانون المرافعات المدنية لهذا الطعن طريقاً استثنائياً من جهة ورغبة المشرع في التضييق من حالاته من جهة أخرى([8]).
أما في مجال العمل القضائي فقد ذهبت رئاسة محكمة استئناف واسط بصفتها التمييزية في قرار لها إلى: “…..لا يجوز الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي للقرارات المصدقة لقرار المنفذ العدل”([9]).
كما ذهبت محكمة استئناف ميسان بصفتها التمييزية في قرار لها إلى: “ان قرارات المنفذ العدل لا تقبل الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي إذ لا يجوز الطعن فيها إلا عن طريق التظلم من قرار المنفذ العدل أمامه أو التمييز أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية”([10]).
وذهبت محكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية في قرار لها إلى: “لدى التدقيق والمداولة وجد أن القرار التمييزي المطلوب تصحيحه غير خاضع للطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي استناداً للمادة (118) من قانون التنفيذ لذا قرر رد طلب التصحيح شكلاً”([11]).
الاتجاه الثاني: المجيزون للأخذ بالطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي.
يرى أنصار([12]) هذا الاتجاه بأنه يجوز طلب تصحيح القرار التمييزي بشأن قرارات المنفذ العدل المصدقة تمييزاً لأن المادة (219) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 أجازت سلوك هذا الطريق والطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي في قرارات محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية ومن أدلة هذا الفريق([13]):
أ: ان أحكام قانون المرافعات المدنية بوصفها قواعد عامة للقوانين الاجرائية فهي واجبة الاتباع في حالة خلو النص حيث نصت المادة (1) من قانون المرافعات المدنية على: “يكون هذا القانون هو المرجع لكافة قوانين المرافعات والاجراءات إذا لم يكن فيها نص يتعارض معه صراحة”. وتطبيقاً لهذا النص فإذا لم يوجد نص في تلك القوانين يعالج إجراء من الاجراءات المطلوبة في الدعوى والمعاملة أو وجد نصٌّ ناقص أو فيه غموض أو عدم وضوح…. فيلزم الرجوع إلى قانون المرافعات المدنية لتطبيق نصوصه حتى وإن لم تنص تلك القوانين على ذلك عملاً بأحكام المادة (1) المشار إليها أعلاه.
ب: هناك نصوص صريحة في قوانين خاصة نصت على استبعاد الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي ومن هذه القوانين قانون الاستملاك رقم (12) لسنة 1981، المادة (61) منه وقانون إيجار العقار رقم (87) لسنة 1979 المادة (22) منه لذا فإن هذه النصوص هي التي تحول دون إعمال المادة (1) من قانون المرافعات المدنية وليس سكوت النص.
ج: إن الأخذ بطريق الطعن بتصحيح القرار التمييزي يحقق العدالة من خلال تلافي الأخطاء التي تقع نتيجة العمل المتواصل.
وعلى هدي ما تقدم فهناك من رجح رأي الاتجاه الثاني (جواز الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي وعدّه الاتجاه الأصوب([14])؛ لأنه يستند إلى نص المادة (219) من قانون المرافعات المدنية كما أن المادة (220) اجازت الطعن بكافة القرارات الصادرة من محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية ولم تستثنِ إلا القرارات الصادرة من الهيئة العامة.
الملاحظ ان قضاء محكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية قد استقر على قبول طلب تصحيح القرار التمييزي في المعاملات التنفيذية([15]).
حاصل القول إنه من خلال تفحص أدلة وحجج إنصار الاتجاهين نجد أنها على درجة كبيرة من قوة الحجة والدليل وتستند إلى أسباب مقنعة ومنطقية لذا نلتمس من مجلسنا الموقر الإيعاز إلى الجهة المختصة لدراسة هذا الموضوع والعمل للوصول إلى كلمة سواء وتوحيد اتجاه القضاء في هذه المسألة الحساسة.